[ شخصية العالم ]
وهنا نتحدث عن مجموعة من الصفات التي يشترك العلماء في الكثير منها والتي تكّون في مجموعها كياناً متميزاً يستحق أن نطلق عليه اسم شخصية العالم، مع الإنتباه إلى وجود الإستثناءات دائماً من علماء قد لا يملكون في شخصيتهم صفة أو أكثر مما سيأتي لأن الأمر أبعد ما يكون عن القوالب المتشابهة، كما أن وجود هذه الصفات لا يجعل من المرء عالماً بطريقة آلية، فهذه الصفات تكّون الحد اﻷدنى الذي لوحظ أنه موجود عند عدد كبير من العلماء.
(العناصر الأخلاقية في شخصية العالم)
ولا نتحدث هنا عن أخلاق العالم ومسلكه اليومي في حياته، بل نتحدث عن الجانب الأخلاقي الذي يمس عمله كعالم سواءا بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، وأولى هذه الصفات “الموضوعية” وهي كلمة شديدة التعقيد يدخل فيها بتداءا معنى “الروح النقدية” أي أن لايتأثر بالمسلمات الموجودة أو الشائعة وأن ينقد نفسه ويتقبل النقد من اﻵخرين. فأهم مايميز العالم قدرته على أن يختبر اﻵراء السائدة سواء على المستوى الشعبي العادي أو في الأوساط العلمية أو كليهما معاً، بذهن ناقد، فلا ينقاد وراء سلطة القدم أو الإنتشار أو الشهرة ولا يقبل إلا ما يبدو له مقنعاً على أسس عقلية وعلمية سليمة.
وهذا لا يعني أن يقف المرء موقف العناد المتعمد من كل ما هو شائع، بل يعني إختبار الآراء الشائعة والعودة إليها في حال اجتازت الإختبار أو التمسك بموقفه الجديد بكل ما أوتي من قوة تصميم في حال تكشف له زيف الرأي الشائع.
وكما ينقد العالم آراء اﻵخرين عليه أن ينقد نفسه ويعترف بخطأه كلما تكشف له ذلك، وأن يقبل نقد اﻵخرين له.
واننا في عالمنا العربي بأحوج ما يكون إلى هذا الضمير النقدي الذي لم يتبلور بعد في أوساطنا العلمية ، لذا فعلينا أن نقرأ لبعضنا البعض وأن ننقد بعضنا البعض.
وثاني هذه الصفات “النزاهة” وهي أن يمارس العالم عمله وقد طرح مصالحه وميوله واتجاهاته الشخصية جانباً وأن يعالج الموضوع بتجرد تام. لذلك تكون وسيلة إقناع العالم الوحيدة هي البرهان (سواءا التجريبي أو النظري) وهذا البرهان يفرض نفسه على أي ذهن لديه القدرة على فهم الموضوع واستيعابه. وهذا يختلف كلياً عن الطريقة التي نقنع نحن بها الناس والتي تعتمد على البلاغة اللفظية واللغة الإنفعالية والتلاعب بعواطف الناس واستثارتها أو إغرائهم ومخاطبة ميولهم ومصالحهم.
ومما يدخل في معنى الموضوعية بالإضافة إلى الروح النقدية والنزاهة هي سمة “الحياد” أي أن لا ينحاز العالم مقدما إلى طرف من أطراف النزاع الفكري أو الخلاف العلمي، فهو يعطي كل اﻵراء المتعارضة حقها الكامل في التعبير عن نفسها، ويزن كل الحجج التي تقال بميزان يخلو من الغرض، وعندما ينحاز أخيراً فلا بد أن يكون انحيازه مبنياً على تقدير موضوعي بحت.
كما أن العلم ذاته محايد بين الخير والشر، فالعلم أداة تتيح للإنسان أن يفهم العالم المحيط به وأن يفهم نفسه على نحو أفضل ومن ثم فهو يزيد في قدرته على السيطرة على عالمه الخارجي وعالمه الداخلي، ولكن هذه القدروة محايدة بمعنى أنها لا تعدو أن تكون طاقة أكبر قابلة للتشكل في اتجاه الخير أو اتجاه الشر.