العناد لدى الأطفال
للأستاذ الدكتور / خالد ابراهيم الفخراني
26-3-2007
العناد لدى الاطفال
تشخيص الاضطرابات السلوكية
مقدمة من الباحث
أحمد منصور
محمد إبراهيم
تحت اشراف
الأستاذ الدكتور
خالد الفخراني
رئيس قسم علم النفس
2006 - 2007
مقدمة:
إن العناد والتمرد ظاهرة طفلية عادية، مألوفة في المراحل الأولى من الطفولة، ومن مستلزماتها الأساسية. فهي وسيلة لإثبات الذات وبنائها وشد أنظار الآخرين والتأثير عليهم. سواء كانوا من الأهل أو من غير الأهل، أما استمرار هذه الظاهرة بشكل قوي وسلبي، فإنها تصبح مرضية، تسيء إلى علاقة الطفل بالآخرين، فيسوء تكيفه الاجتماعي، وفي هذه الحالة تستدعي المسألة علاجاً نفسياً يقوم بالبحث عن الأسباب الجوهرية لهذا العناد.
وتكاد تكون هذه المشكلة من أهم المشاكل التي تواجه الآباء والمدرسين، وبصورة يومية "وهناك مرحلة يطلق عليها العالم الألماني (كرون) مرحلة العناد أو سن المقاومة وهي مرحلة العناد الأولى وتمتد من الميلاد إلى العام الثالث أو ا لرابع.
وتتطور أشكال العناد من مرحلة إلى أخرى، ويتخلص منه الطفل تدريجياً إذا أحسنت تربيته، ونفذت طلباته المشروع، وأشبعت حاجاته، وأهمها إشباع حاجته إلى العطف والحنان "وتؤكد الدراسات أن خلو هذه المرحلة من مراحل نموا لطفل من سلوكا لعناد قد يؤدي إلى ضعف الإرادة والخضوع والخنوع في المراحل التالية من العمر.
ويشير بعض علماء التربية إلى أن مرحلة ما قبل دخول المدرسة هي المرآة التي تعكس شخصية الطفل المستقبلية، والخطوط العريضة لهذه الشخصية، التي تنمو وتتطور في المستقبل ضمن هذا الإطار العام. وفي هذه المرحلة تبدأ مظاهر الخلاف مع الوالدين بالظهور بشكل واضح، من أجل ذلك ينبغي الاهتمام في هذه المرحلة بمسألة التعاون بين البيت ودور الحضانة لترويض الطفل وامتصاص مظاهر العناد (شحيمي، 1994: 84-85).
التعريف بمشكلة العناد:
يواجه الآباء والمربين مشكلة عناد الأطفال في مرحلة نموهم المبكرة ولاسيما بين السنة الثانية والرابعة، ويعتبر العلماء أن سلوك العناد شيء طبيعي في مرحلة الحضانة إذ يبدأ الطفل فيها بتأكيد ذاته ورفضه سيطرة الآخرين وتسلطهم وكتبهم لرغباته، وتؤكد الدراسات أن خلو هذه المرحلة من مراحل نمو الطفل من سلوك العناد قد يؤدي إلى ضعف الإرادة والخضوع في المراحل التالية من النمو.
ويهتم الطفل في رياض الأطفال ودور الحضانة، بنفسه فهو لا يهتم بأقوال الآخرين وأفعالهم إلا إذا كانت مرتبطة بذاته، ويهتم الطفل بمحاكاة الكبار واللعب، وتزداد حركته، وتعتبر هذه الفترة نمو القدرات المختلفة الجسمية والحسية والعقلية إذ تنمو شخصية الطفل واهتماماته بالعالم الخارجي، ونمو الأنا لديه والوعي والرغبة في الاعتماد على الذات.
وتظهر في هذه الفترة أولى مراحل العناد، إذ يصبح غير مطيع، ولاسيما إذا عانى من الإحباطات الدائمة، ويصبح أكثر تمرداً، وعناداً للدفاع عن نفسه، والوصول إلى شخصية متواضعة فكرياً مع البيئة التي ينتمي إليها.
ويفسر "يونغ" العناد بأنه عبارة عن ردود الفعل التي يقوم بها الطفل تجاه موقف اجتماعي للحفاظ على شخصيته من الواقع المؤلم. ويمكن أن يكون العناد رد فعل لمواقف اجتماعية معينة (بدير، وآخر، 2007: 89).
إن العناد والميل للتشاجر عند الأطفال في الطفولة الأولى قد يعتبر سلوكاً عادياً. ولكن عندما تلازم هذه الأعراض الطفل لسن متقدمة وبصورة عنيفة فإنها تكون أعراضاً لسوء تكيفه، وقد تكون علامة خطيرة تنبئ بأعراض المرض النفسي في الكبر.
فالطفل الصغير يحل مشاكله بالانفجارات المزاجية والبكاء وذلك لعجزه عن حلها عملياً بنفسه، وهو بانفجاره هذا يستجدي معونة شخص آخر أكفاً منه ليعينه في تصحيح الموقف الذي يعاني منه، وعندما يتقدم الطفل من عهد الرضاعة إلى دور الطفولة الأولى فالأسرة تتوقع منه أن يكون أقدر، وأكثر كفاءة على مواجهة المواقف الصعبة التي يتعرض لها كل يوم، فلا يحتاج إلى مساعدة الغير لحل مشاكله البسيطة نسبياً إلا بقدر ضئيل للغاية، ولكن الواقع خلاف ذلك خصوصاً في مجتمعنا الذي أصبحت مطالب الحياة فيه معقدة ومتشابكة، إذ يعجز الطفل الصغير عن حل مشاكله بما اكتسب من تدريب وتعليم، ولذا نجده سريع التأثير، عصبي المزاج، كلما وجد نفسه عاجزاً عن تحقيق مطلب من مطالبه، فيقابل هذا العجز بالانفجار بالبكاء والغضب والعناد أحياناً.
وقد دلت بعض البحوث العلمية التي أجريت على مجموعة كبيرة من الأطفال (239)، والذين تتراوح أعمارهم بين 2-7 سنوات، وأن 28.9% كانوا يعانون من سرعة الاستثارة والضجر، 15.7% يعانون من القسوة والعدوان، 11.3% من كثرة البكاء والعناد والسلوك الطفلي، ودل البحث على أنه كلما كانت سن الطفل صغيرة (2-5) سنوات كلما اتجهت الأعراض إلى الاختفاء بمرور الوقت أي كلما تقدم في السن، ولكن إذا كانت الأعراض لا تزال مستمرة بعد سن الخامسة فإنها تتجه إلى الثبات وتصبح مشكلة سلوكية، ولذلك فإنه يمكننا أن نغض النظر عن هذه الأعراض الانفعالية لصغار الأطفال دون الخامسة. ويجب أن نهتم بها بعد الخامسة وننظر لها على أنها أعراض وعلاقات لسوء التكيف الذي يتخذ صفة الاستمرار في السلوك مثلاً، في الوقت نفسه يجب أن نفرق بين سوء التكيف الذي يتخذ صفة الاستمرار في السلوك والانفعال المبالغ فيه، وسوء التكيف أو الانفعال الذي يحدث عرضاً كنتيجة لصدمة من الصدمات أو لظروف غير ملائمة في البيئة أو المدرسة (جرجس، 1982: 100).
ويعرف (ملحم) العناد اضطراب سلوكي شائع يحدث لفترة وجيزة من عمر الطفل. وربما يأخذ نمطاً متواصلاً وصفه ثابتة في سلوكه. ويصنف ضمن النزعات العدوانية عند الأطفال. ويعتبر محصلة لتصادم رغبات وطموحات الطفل ورغبات ونواهي الكبار وأوامرهم (ملحم، 2002: 320).
وقد نرى بأن التمرد والعناد سلوك يظهر عند\ الطفل على شكل مقاومة علنية أو مستترة لما يطلب منه من قبل الآخرين من دون عذر منطقي، وذلك نتيجة شعوره بالقسوة والتسلط وما يؤدي إليه من عجز عن القيام برد فعل تجاه ذلك، فالطفل في هذه المرحلة من العمر يصعب عليه تعلم عمل الأشياء في الوقت المحدد الذي يجب أن تعمل فيه ويتبرم الكثير من الآباء من سلوك عدم الطاعة الذي يظهر عند الطفل، ويتساءلون عن كيفية تعليم الطفل أن يفعل ما يطلب منه في الوقت المحدد. فمن المعروف أن بعض الأطفال يطيعون تعليمات الآباء خلال السنتين الأوليين، ولكن البعض الآخر لا يفعل ذلك ويترد، حيث يرى الطفل في الكبار التسلط والقسوة والقهر وهذا الشعور يتولد من خلال شعوره بضعفه وعجزه عن القيام بما يتمنى من القيام به. فمن المعروف أن سلوك الطفل فيا لسنتين الثالثة والرابعة من العمر يتميز بالتمركز حول الذات فهو لا يهتم بأقوال وأفعال الآخرين إلا إذا كانت مرتبطة بذاته ولكن مع التقدم في العمر وتفاعله مع البيئة المحيطة به، فإن هذا السلوك يخف تدريجياً ويبدأ بالتعامل مع العالم المحيط بشكل أكثر موضوعية (الزغبي، 2001 :139).
ويعرف محمد عبد المؤمن حسين العناد بأنه ظاهرة طبيعية تتناسب وهذه المراحل من النمو، ورغم ذلك فإن هذا السلوك إذا بولغ فيه لدرجة التطرف والسلبية وإذا استمر طويلاً فإنه يؤدي إلى اضطراب في تكوين علاقات إنسانية سليمة فيما بعد، ويبين أيضاً مفهوم العناد في سن الروضة بأنه رد فعل طبيعي لنمو الطفل حيث يبدأ الطفل في تأكيد ذاته ورفضه لسيطرة الآخرين عليه وتسلطهم وكبتهم لرغباته ووقوفهم دون تحقيقها.. وتؤكد بعض الدراسات أن خلو هذه المرحلة من سلوك العناد قد يؤدي إلى ضعف الإرادة والخنوع في المرحلة التالية من النمو - ففي مرحلة رياض الأطفال يتمركز الطفل حول ذاته وتنمو الأنا لديه وينمو الوعي والرغبة في الاعتماد على الذات وإظهار القدرات الخاصة أمام الكبار، ويحاول الدفاع عن اهتماماته الشخصية ويحاول تأمين ذاته مما يمد الطفل بالإحساس بقيمته الذاتية، ومن ثم: لا يهتم بأقوال أو أفعال الآخرين إلا إذا كان لها ارتباط بذاته، ولذا يعد الكبار ذلك عناداً وتبدأ علاقات ومظاهر الخلاف مع الوالدين تظهر بوضوح (حسين، 1996: 125).
وإن العناد أكثر حدوثاً بين الأطفال الصغار، وهي من أكثر مظاهر الغضب شيوعاً خلال السنوات الأولى، حيث يلقى الأطفال بأنفسهم على الأرض ويضربون بأرجلهم ويصيحون، وقد يصاحبها توقف عن التنفس.. وقد تستمر بعد سن دخول المدرسة حيث اعتاد الطفل الحصول على ما يرغب بواسطة هذه الانفجارات المزاجية فهو غير قادر على تحمل الإحباط (الجبالي، 2005: 113).
العوامل المؤثرة في السلوك:
أن سلوك الطفل حديث الولادة يتأثر بعوامل شتى قد ترجع في أساسها وجوهرها إلى حالة الأم الفسيولوجية والسيكولوجية أثناء الحمل والولادة وبعدها.. وكما رأى علماء النفس أن مشكلات السلوك لدى الأطفال تمتد جذورها وأصولها إلى فترة أبعد من فترة حمل الأم والولادة، حيث ترجع إلى فترة ما قبل الحمل وبالأحرى قبل تاريخها يرجع إلى طفولة الأم والأهل ذاتهم وتكوينهم النفسي والجسمي والعقلي والذي يحدد نوعية شخصياتهم وكيفية تعاملهم مع الآخرين وأسلوب التربية والتنشئة الاجتماعية والأسرية التي نشئوا فيه وتأثروا به من عادات واتجاهات .. وحب وحنان ورعاية وأمن وأمان وبالقدر الذي نالوه من ذلك كله وتشكلت شخصياتهم وتأصلت عاداتهم وتبلورت مفاهيمهم، وينعكس كل هذا وذاك على أطفالهم.. حيث هناك الطفل الذي ينشأ ويترعرع في بيئة تضفي عليه الأمن والأمان والرعاية والعطف والحنان، وآخر ينشأ في بيئة يعاني فيها الحرمان والإهمال والعقاب وعدم الارتياح والأمن والأمان
في الواقع أن الأهل وهذه البيئة الأسرية المعينة، الأولى وعكسها الثانية: قد لاقت هذه الأساليب في طفولتها من أسرها وأثرت فيها وامتد أثرها الإيجابي وعكسه السلبي إلى الأسلوب المتبع في تربية وتنشئة أطفالها (عطية، 2000: 48)
ويعتبر قلق الأم وتوتراتها النفسية أثناء فترة الحمل من العوامل الأساسية التي تؤثر في الطفل وفي تكيفه وتوافقه النفسي مع الآخرين ومع الوسط البيئي المحيط به. كما يتسبب في تلك الاضطرابات السلوكية التي تظهر فيما بعد تجاه المجتمع وأفراده.
ويكتسب الطفل مفاهيم شتى من الأم وممن حوله فيتعلم مفهوم النظام والنظافة والأمانة والعدل والحق والواجب من خلال مواقف التعلم الملموسة والمرئية والمسموعة والمحسوسة لديه في المنزل والنادي وغير ذلك.. وكل ما يقوم به المحيطين به من أفعال وتصرفات يومية تنعكس بصورة مباشرة وغير مباشرة على نفسية الطفل وسلوكه بوجه عام (عطية، 2000: 51)
مظاهر العناد عند الأطفال قبل سن الخامسة:
يتطور انفعال الغضب عند الأطفال قبل سن الخامسة مع تطور نموهم.. ففي الفترة بين الشهر السادس والسنة الثالثة من حياة الطفل نجده يغضب ويثور إذا لم نحقق له رغباته خصوصاً الفسيولوجية، وإذا ترك وحيداً في الحجرة أو إذا فشل في جذب انتباه من حوله ليلعبوا أو ينشغلوا به.. كما أنه قد يثور أيضاً عندما نغسل له وجه أو أثناء الاستحمام أو خلع ملابسه، وتتفاوت مظاهر العناد عند الأطفال دون الخامسة من ضرب الأرض بالقدمين والرفس والقفز والضرب والإلقاء بالجسم على الأرض.. ويصاحب هذه الأعراض عادة البكاء والصراخ، وقد يعاني بعض الأطفال من تصلب أعضاء الجسم والتوتر الشديد أثناء نوبات العناد، أو قد يلجأ إلى العض على الأنامل.
ومعنى ذلك أن العناد ميل طبيعي عند الأطفال دون الخامسة، ودور الآباء في هذه المرحلة من العمر يجب أن يهدف إلى مساعدة الطفل وتدريبه على ضبط انفعال الغضب والسيطرة عليه، ولكن ليس معنى ذلك أننا سندرب الطفل على ألا يغضب أبداً، حيث نصل به إلى درجة ملحوظة من السلبية والبلادة، وبمعنى آخر يجب أن نحول بين الطفل والتعود على العناد بدرجة انفعالية مبالغ فيها، قد تتطور في المستقبل وتصبح نمطاً سلوكياً له.. بل يجب أن يكون موقفنا منه موقف توجيه وإنماء في الاتجاه الصالح.. ولا يصح أن يكون موقف استئصال لانفعال العناد بحال من الأحوال.
وأغلب أسباب غضب الأطفال قبل سن الخامسة ترجع إلى علاقة الطفل بوالديه وإخوته وتحكمهم في تصرفاته، وفرضهم رغبات معينه عليه تتصل بذهابه إلى الفراش أو تناول الطعام أو تنظيف نفسه، أو بإتباع عادات صحية تتصل بغسل يديه، والتبول والتبرز، وتمشيط الشعر، أو كيفية الاستحمام .. الخ. وقد يرجع السبب في الانفعال إلى إخفاق الطفل في القيام بعمل من الأعمال يرغب في إنجازه كأن ينفجر باكياً إذا حاول إصلاح لعبة له وأخفق في ذلك، فيبعث فيه الإخفاق شعوراً شديداً بالألم
كذلك قد ينفجر الطفل باكياً وفي غضب واضح دون ما سبب ظاهر، وإذا ما دققنا في البحث عن السبب نجد أنه يهدف إلى جعل نفسه مركز انتباه الأسرة بدلاً من المولود الجديد الذي يغار منه لدرجة أشعرته بعدم القبول والإهمال خصوصاً من الأم. (جرجس، 1982: 101).
وقد يكون سبب انفجار الطفل في الغضب والبكاء سبباً غير نفسي بل جسماني، مثل ضعف الحالة الصحية أو المغص أو الإصابة بالبرد أو عسر الهضم، أو ارتفاع درجة الحرارة والتهاب اللوزتين، الأمر يحدو بنا دائماً إلى محاولة معرفة السبب الحقيقي لبكاء الطفل وغضبه وانفعاله.
مظاهر العناد عند الأطفال فوق سن الخامسة:
تتخذ مظاهر العناد بعد سن الخامسة غالباً شكل الاحتياجات اللفظية، واستخدام الألفاظ بقصد التهديد أو القذف، والأخذ بالثأر، بينما قد يلجأ طفل التاسعة أو العاشرة إلى نفس الأسلوب، أو يلجأ إلى المقاومة السلبية التي تبدو في التمتمة بألفاظ غير مسموعة، والتعبير عن انفعال الغضب بأسارير الوجه، في غير عنف، كما أن بعض الأطفال إذا غضبوا لازمتهم الكآبة والميل إلى الانزواء، ويعتبر هذا العرض الأخير أخطر الأعراض الضارة بالصحة النفسية للطفل، لأنه قد يدفعه نحو التمركز حول ذاته والتبرم بالحياة والشعور بالضيق والمرارة، ومن ثم يتعلم الاستجابة لأغلب المواقف التي لا تروقه بنفس الانفعال، مما قد يؤدي إلى فشله في الحياة والجنوح إلى أحلام اليقظة.
وقد بينت أحدى الدراسات العلمية أن مظاهر العناد تختلف باختلاف سن الطفل، فبينما الأطفال من سن 3-5 سنوات تعتريهم نوبات الغضب ويلجئون إلى البكاء وضرب الأرض وجذب الانتباه إليهم، فإن الأطفال من سن 5-7 سنوات يظهرون غضبهم أحياناً في صورة التشنج بالبكاء الشديد والعصيان، أما الأطفال بين سن السابعة والحادية عشرة فإنهم يظهرون غضبهم بالعناد أو الهياج، والملل، والاكتئاب والخمول، والشكوى من الشعور بالإجهاد والتعب السريع، وقد يظهرون غضبهم بالسلبية والانزواء.
ويمكن تلخيص أساليب الغضب عند الأطفال بوجه عام في أسلوبين: الأول إيجابي ويتميز بالثورة أو الصراخ أو الرفس أو إتلاف الأشياء إلى غير ذلك من أساليب الانفعال الإيجابية، أما الأسلوب الثاني فهو أسلوب سلبي يتميز بالانسحاب أو الانزواء أو التهجم، أو الإضراب عن الأكل أو الأخذ والعطاء إلى غير ذلك من الأساليب السلبية، وهي أضر أنواع الانفعال لأنها تعتمد على الكبت، بعكس الأسلوب الإيجابي الذي يفرغ فيه الطفل الغاضب شحنه الغضب ويعبر عنها بصورة ظاهرة تعطي البيئة فرصة التفاهم معه والوصول إلى حل مرضي أو تفهيمه أنه مخطئ في غضبه.
قلما نجد الأطفال الذين ينشئون في جو عائلي مستقر يعانون من نوبات الغضب، أو من العناد أو من الميل للتشاجر بشكل ملحوظ والمقصود بالجو العائلي المستقر، أنه الحالة التي توفر الجو النفسي والصحي للطفل، والذي يتصف بأن الوالدين يحب كل منهما الآخر، ويحبان الطفل ويهيئان له جو من الدفء العاطفي الذي يشبع حاجاته النفسية ورغباته، وأن الوالدين يحاولان قدر طاقتهما مساعدته وإشعاره بالأمن والطمأنينة، والشعور بالتقدير، والشعور بالحرية المعقولة، ويشبعان فيه الحاجة للشعور بالنجاح وإلى سلطة ضابطة موجهة له في سلوكه، وكما أن الأبوين لا يختلفان في معاملتهما للطفل، بل يعاملانه بثبات وسياسة واحدة وإن كانت مرنة تتسم بالتسامح والعطف.
أما العائلات التي تسودها التوترات الانفعالية، وتعاني من مشكلات السيطرة أو الخضوع بين الزوجين، أو من عدم القدرة على التغلب على الاختلافات بين الزوجين، وعدم التعاون والخلاف بينهما حول أسلوب تربية الطفل، فإن الصحة النفسية للطفل تتأثر كثيراً، ويؤدي عدم التعاون هذا إلى توتر الطفل وانفعاله الذي قد يأخذ صورة نوبات الغضب.
إن السلطة الضابطة المتغيرة، كأن يكون الأب في صف الطفل يجيب رغباته، وتكون الأم على نقضيه أو العكس، تؤدي بالطفل إلى نوبات الغضب كلما رفض له أحد الأبوين طلباً، ثم الانحياز إلى الآخر، كما أنه إذا طلب الطفل من أحد الأبوين طلباً وامتنع عن إجابته، ثم صرخ الطفل وغضب وأجيب إلى طلبه، فإنه يلجأ إلى الغضب والصراخ كلما رفض له طلب، ويستخدم بعد ذلك نوبات الغضب للسيطرة على البيئة.. وقد يلجأ إلى هذا الأسلوب المرضي للتوافق والتكيف في مواقف الحياة في الكبر.. إذ يصبح الانفعال وحده المزاج أسلوبه المفضل، واللاشعوري في حل مشاكله، أي أنه يلجأ في كبره إلى أساليب طفولية وصبيانية للتوافق مع الحياة.. فيلجأ إلى الاعتداء والسب والذم لمعالجة المواقف التي يشكو منها ويتخذ من حدة الطباع والتأثر السريع، وفقد السيطرة على أعصابه وسيلة لتغطية الشعور بالعميق بالعجز والنقص الذي يعاني منه منذ طفولته.
ونجد بعض الأطفال يتمادون في الصراخ والعناد والإصرار إلى أن يجابوا إلى ما طلبوه، ولكنهم لا يستخدمون هذا الأسلوب إلا مع من سبق ونجح معهم الصراخ والعناد، كما نجد بعض الأطفال يتعمدون إحراج الآباء بالصراخ والعناد لتحقيق رغباتهم خصوصاً إذا كان ضيوف أو أقارب في زيارة العائلة، ويشعرون أنهم سيشفعون لهم، أو إذا كانوا في مكان ملئ بالناس خارج المنزل.. كل هذه الحيل يلجأ إليها الطفل عادة اعتماداً على سابق خبراته مع الأبوين.. لأنه يدرك تماماً حدود السلطة في البيئة التي يعيش فيها، فيستعمل نوبات الغضب مع الشخص المناسب وفي الوقت المناسب (جرجس، 1982: 104).
أشكال العناد:
توجد أشكال متعددة لعناد أطفال الروضة نذكر إليك منها:
أولاً: عناد التصميم والإرادة:
يظهر هذا النمط من العناد عند بعض الأطفال لدى إصرارهم على محاولة إصلاح لعبه. خاصة إذا أصيب الطفل بالفشل عند إصلاحها في المرة ألأولى. عندها يزداد إصرار على تكرار محاولته مرة أخرى.
ثانياً: العناد المفتقد للوعي:
كإصرار الطفل الذهاب إلى السوق رغم هطول الأمطار الشديدة وعدم توافر وسيلة نقل لذلك. ورغم محاولة والديه إقناعه بعدم الذهاب. وكذلك إصراره على عدم النوم من أجل مشاهدة برنامج تلفزيوني بالرغم من محاولات أمه حتى يستيقظ مبكراً صباح اليوم التالي. ويكون إصرار الطفل في مثل هذه المواقف عناد أرعن مفتقد للوعي والإدراك.
ثالثاً: العناد مع النفس:
وقد يعاند الطفل نفسه كرفضه تناول الطعام وهو جائع برغم محاولات أمه بضرورة تناول الطعام. (ملحم، 2002: 321).
رابعاً: العناد كاضطراب حركي:
قد يكون عناد الطفل نتيجة اضطراب سلوكي خاصة حينما يعتاد الطفل على مثل هذا السلوك لصبح مع العمر نمطاً راسخاً وسمة من سمات تشخيصيه. وهذا النمط من العناد يسبب له نزوعاً إلى المشاكسة والتعارض مع الآخرين. ليمثل بالتالي سلوكاً مرضياً يستدعي استشارة المختصين في ذلك.
خامساً: عناد فيزيولوجي:
وقد يصاب الطفل إصابات عضوية في الدماغ كالتخلف العقلي مثلاً. فيظهر الطفل أنماطاً من السلوك العنادي أمام الآخرين.
ومن أشكال العناد أيضاً:
1- العناد كاضطراب سلوكي:
يتجلى هذا الشكل من العناد على شكل إصرار الطفل على العناد ومقاومة سلبية متواصلة نحو مواقف وحاجات. فالطفل في هذه الحالة ينزع نحو معارضة الآخرين ومشاكستهم، ويكون في حالة تذمر وشكوى مستمرة من أوامر الآخرين (الوالدين أو غيرهم). (الزغبي، 2001 :140).
2- التحدي الظاهر:
ويكون هذا العناد على شكل إصرار الطفل على استكمال ما يريده (مثل مشاهدة فيلم تلفزيوني) بالرغم من إقناع والدته له بالنوم من أجل الاستيقاظ مبكراً للذهاب إلى المدرسة. ويكون عناده على شكل رفض لما يطلب منه، ويكون مستعداً لتوجيه إساءة لفظية أو الانفجار في ثورة غضب للدفاع عن موقفه.
3- العناد الحاقد:
يتمثل هذا العناد في قيام الطفل بعكس ما يطلب منه، فالطفل الذي يطلب منه أن يهدأ يصرح بصوت عال، والذي يطلب منه أن يأكل يرفض الطعام بالرغم من حاجته إليه. (غيث، 2006: 111).
أسباب العناد:
حين يكون العناد عادياً وغير مبالغ فيه من قبل الطفل وفي مواقف طبيعية يكون هذا النمط من السلوك مستحباً من قبل الطفل. بحيث يطور ثقة الطفل بذاته ويدعم سمة الاستقلالية لديه. إلا أن هناك أسباباً عديدة تدعو الطفل إلى العناد من أبرزها: (ملحم، 2002: 322)
1- اقتناع الكبار غير المتناسب مع الواقع: إن كثيراً من الأوامر وأنماط السلوك التي يفرضها الأبوان على طفلهما تعود سلباً عليه وتحد من حركته ونشاطه. وربما تحدث ضرراً لديه. كأن تأمر الأم طفلها بارتداء معطف ثقيل يعرقل حركته أثناء اللعب أو تأنيب المدرسة له بارتداء معطف ثقيل يخالف فيه الزي الرسمي المدرسي. عندئذ يندفع الطفل نحو العناد كرد فعل للقمع الأبوي الذي أرغمه على ارتداء المعطف.
2- أحلام اليقظة: قد يحدث العناد عند الطفل نتيجة عدم قدرة الطفل على التفريق بين الواقع والخيال. فيندفع نحو التشبث برأيه أن يأبه لآراء الآخرين من حوله. فيصطدم مع الكبار ويصر الطفل على عناده.
3- التشبه بالكبار: وقد يقلد الكفل أبويه في عنادهما عندما يصممان على أن يفعل الطفل سلوكاً ما دون رغبة منه. وحين يسأل الطفل عن سبب عناده. فإنه يجيب: كما تفعل أنت.
4- رغبة الطفل في تأكيد ذاته: يمر الطفل بمراحل نموه النفسي المتتابعة. فتظهر عليه علامات العناد في مرحلة عمرية محددة. من النمو مما تساعد الطفل على بناء شخصيته والتمتع باستقلالية اتخاذ القرار في سلوكياته وهو أمر طبيعي بل وحتمي لتطور أنماط السلوك عند الطفل. لكنه قد يتعلم العناد من أجل تحقيق مطالبه. ويصبح بالنسبة له سلوكاً غير سوي إذا تجاوز هذا السلوك النمو الطبيعي للطفل.
5- البعد عن مرونة المعاملة: يبحث الطفل عن الحب والعطف والحنان من الآخرين من حوله بعيداً عن اللغة الجافة كإصدار الأوامر له والتدخل في سلوكياته بصورة مستمرة. مما يدفع الطفل إلى اختيار سلوك العناد سبيلاً للتخلص من مواقف التدخل المستمر من قبل الآباء والآخرين من حوله.
6- رد فعل ضد الاعتمادية: وقد يظهر سلوك العناد كسبب حتمي للاعتمادية الزائدة على الأم والمربية أو الخادمة. وحبا في بناء شخصية مستقلة له.
7- رد فعل ضد الشعور بالعجز: وقد يحبذ الطفل العناد كدفاع ضد الشعور بالعجز والقصور وشعور بوطأة خبرات الطفولة أو مواجهته لصدمات أو إعاقات مزمنة.
8- تعزيز سلك العناد: إن تلبية مطالب الطفل وتحقيق رغباته نتيجة ممارسته لسلوك العناد يعزز تكرار سلوك العناد في مرات قادمة. ويتدعم لديه سلوك العناد بحيث يصبح أحد السمات التي تميزه عن غيره من الأطفال.
وإن أسباب العناد كثيرة ومتشابكة خاصة إذا ظهرت في سن ما بعد السادسة من العمر ويمكن ذكر أهم هذه الأسباب فيما يلي:
1- التساهل المفرط في معاملة الطفل (التدليل الزائد) بحيث يلبي الوالدان كل طلبات الطفل مهما كانت، وذلك ظناً منهما بأن ذلك يكون في صالحه وراحته مما ينعكس سلباً على سلوكه وشخصيته ويجعله يلجأ إلى التمرد والعصيان في أي موقف في أثناء تعامله مع ألآخرين.
2- القسوة المفرطة من قبل الوالدين في تعاملهما مع الطفل، وإجباره إتباع نظام معين في المعاملة، وآداب الطعام، والنقد المستمر لسلوكه، وطلب الطاعة الفورية منه بغض النظر عن شعوره واهتماماته في تلك اللحظة.
3- التذبذب في المعاملة: إذ يلجأ الوالدان إلى القسوة المفرطة حيناً، وفي حين آخر يتساهلان بشكل مفرط مع الطفل في أثناء ردود الفعل نحو سلوكيات معينة يقوم بها. بالإضافة إلى ذلك فإن عدم اتفاق الوالدين على كيفية التعامل مع الطفل يؤدي إلى تفكك شخصيته واضطرابه وعدم استقراره النفسي، مما يؤدي به إلى العصيان والتمرد على أوامر الوالدين.
4- إهمال الوالدين لدور الأبوة: هناك الكثير من الظروف التي تحيط بالوالدين وتعوق قيامهما بمهمة تربية الأبناء بشكل صحيح. فمطالب العمل الكثيرة والانشغال الزائد، بالإضافة إلى النزاع والشقاق المستمر بينهما والذي قد يؤدي إلى الطلاق، أو المشكلات الشخصية التي يتعرض لها أحد الوالدين أو كلاهما قد تؤدي إلى إهمال الطفل مما يولد عن ذلك سلوك الرفض والعناد عنده.
5- شعور الطفل بعدم الأمن والأمان: يعاني الطفل من اضطرابات نفسية عندما لا يشعر بالأمن والحب في محيطه الأسري مما يجعله يسلك سلوك الرفض والعناد، والذي يظهر على شكل رفض للسلطة، ورفض للنوم، ورفض لطاعة الوالدين. فالقلق والصراخ المتكرر عند الطفل دليل على ما يعانيه من إحباط. بالإضافة إلى ذلك فإن غياب أحد الأبوين أو كلاهما يؤثر تأثيراً بالغاً في شخصية الطفل وحياته الانفعالية. فالطفل يحتاج إلى والدين يشبعان حاجته إلى الأمن والمساعدة. كما أن الطفل الذي يحرم من والديه في الصغر (بسبب الوفاة أو الطلاق) لا يجد من يتحد معه ويعرفه على الحياة والعالم المحيط به. كما أن غياب أحد الوالدين لفترة طويلة يؤثر في النمو النفسي والاجتماعي للطفل، وقد يفسر الطفل هذا الغياب الطويل دليلاً على عدم الحب له، مما يجعله يلجأ إلى العناد والمشاكسة أو النكوص إلى سلوك قديم (تبول، قضم أظافر..).
6- رغبة الطفل في تأكيد ذاته: يمر الطفل في نموه النفسي بمراحل عديدة، وحينما تظهر عليه علامات العناد غير المبالغ فيه، فإن ذلك دليل على مرحلة نمو طبيعية، حيث تساعده هذه المرحلة على الاستقرار وإثبات الذات ولفت الأنظار إليه والاستقلال عن الآخرين والتأثير فيهم وتمكنه من تكوين قوة الإرادة ولكنه سرعان ما يتعلم فيما بعد أن العناد ليس بالطريقة السوية لتحقيق مطالبه ولابد له من استخدام طرائق أفضل في تحقيق مثل هذه المطالب. (الحسين، 2001: 147).
7- يظهر العناد كرد فعل ضد العجز والاعتمادية: يظهر العناد عند الطفل كدفاع ضد شعوره بالعجز والقصور، أو كدفاع ضد الاعتماد الزائد على الوالدين أو أحدهما. كما يظهر كترجمة لحالة الضيق الشديد وتفريغ التوتر الذي يعاني منه.
8- تفضيل الوالدين أحد ألأبناء دون الآخرين، مما يدفع بالطفل المنبوذ أو المهمل إلى اللجوء إلى سلوك انتقامي ضد الوالدين أو قد يلجأ إلى سلوك يجتذب فيه انتباه الوالدين والمحيطين وذلك من خلال العناد والعصيان لأوامر ومتطلبات الوالدين.
9- محاكاة الطفل لأحد أبويه: فاتجاهات الأبوين نحو السلطة والقانون تؤثر في اتجاهات الأبناء فإذا أظهر الأبوان القليل من الاحترام للسلطة والنظام والقانون، فإن ذلك يؤدي بأطفالهم إلى عدم إلى عدم احترام الراشدين وسلطتهم والعكس صحيح. كما أن إصرار الطفل على رأيه يكون تقليداً لأبيه أو أمه عندما يصممان على أن يفعل الطفل شيئاً دون إقناعه بسبب تصرفهما.
10- يلعب ذكاء الطفل دوراً أساسياً في التمرد والعصيان، فإذا كان الطفل قليل الذكاء مال إلى عدم الطاعة والعصيان، حيث أنه لا يستطيع بسهولة توقع نتائج تصرفاته بعكس الطفل الذكي الذي يمكنه أن يتوقع بسهولة نتائج تصرفاته، ويميل إلى تأجيل إشباعاته الفورية في سبيل تحقيق أهداف آجلة.
كيف يمكن تشخيص العناد عند الطفل؟
يتم تشخيص الاضطراب العنادي التمردي من خلال أخذ التاريخ المرضي والتطوري والفحص النفسي، ومقارنة سلوك الطفل بسلوك من هم في مثل عمره العقلي، ومراعاة أن يكون السلوك كثيراً من المعتاد.
1- نمط من سلوك السلبية العدائية، والجرأة، يستمر على الأقل لمدة (6) شهور، والتي يظهر خلالها أربعة أو أكثر من السمات التالية:
فقد الأعصاب غالباً.
جدال مع الكبار غالباً.
غالباً ما يعارض أو يرفض أن يستجيب لمطالب أو أوامر الكبار.
غالباً ما يتعمد مضايقة الناس.
غالباً ما يلوم على أخطائه أو سلوكه السيئ.
غالباً ما يكون شديد الحساسية أو يتضايق بسهولة من الآخرين.
غالباً ما يكون غاضباً وسريع الامتعاض.
غالباً ما يكون حاقداً.
2- يحدث الاضطراب ضعفاً واضحاً في النواحي الاجتماعية والأكاديمية والمهنية. (ملحم، 2002: 323).
3- لا تحدث السلوكيات بصورة وحيدة (منفردة) أثناء الاضطرابات العصابية أو المزاجية.
4- لا يتفق المحك مع محكات السلوك المنحرف (سوء الخلق) وإذا لم يكن لعمر 18 سنة أو أكثر، ولا يتفق المحك مع محكات اضطراب الشخصية المضادة للمجتمع.
ويتميز اضطراب العناد والتحدي حسب درجة شدته إلى:
- خفيف: حيث تكون الأعراض قليلة تفي بالتشخيص، والإعاقة الناشئة عن الاضطراب طفيفة.
- متوسط (معتدل): وهو الوسط بين الشديد والخفيف من حيث درجة الاضطراب والإعاقة.
- شديد (حاد): حيث توجد أعراض عديدة، والإعاقة تكون مشوهة للأداء المدرسي والاجتماعي: مع الكبار والرفاق.
الوقاية والعلاج من مشكلة العناد:
إن أهم طرق الوقاية والعلاج في عناد أو عصيان الأطفال يكون بما يلي: (الزعبي، 2001: 143-145).
1- الاعتدال في المعاملة: وهذا يعني بأن تكون مطالب الأبوين من الطفل معقولة وبإمكان الطفل تنفيذها. فكلما استجاب الوالدان لمطالب الطفل أكثر يكون بالإمكان توقع الاستجابة الإيجابية (الطاعة) من قبل الطفل، إذ كلما كان الأبوان أكثر حساسية وإيجابية في تلبية حاجات الطفل، كلما كان الطفل أكثر طاعة. أما إذا ظهر سلوك التمرد والعصيان عند الطفل، عندها يمكن للوالدين أن يشيرا بعبارات معينة إلى الأثر المزعج لسلوك العصيان ومشاعرهما نحو ذلك.
بالإضافة إلى ذلك فلابد من إعطاء الطفل فرصة لإبداء رأيه عند وضع القوانين كلما أمكن ذلك، مما يجعل الطفل أكثر ميلاً إلى الطاعة والابتعاد عن التمرد. كما يجب أن نتوقع عدم الطاعة الفورية من الطفل دائماً، ولهذا يمكن أن يُعطى تحذيراً مسبقاً (لمدة 5 دقائق) قبل تنفيذ ما يطلب منه. كما يجب السماح له بالتعبير عن مشاعره التي تسبب له الضيق ومساعدته في ذلك مثل: "أنا أكره تنظيف الغرفة" وهذا لا يعني رفض الطفل للتنظيف وإنما عبارة تعبر عما يشعر به فقط.
بالإضافة إلى ذلك فلابد من تجنب الإفراط في القسوة في العقاب (كالضرب على الوجه أو الظهر .. الخ) لأن ذلك يقود إلى العناد وإظهار غضب الطفل وانزعاجه، ومن المحتمل أن يتقمص ذلك من شخصية فارض العقاب القاسي ولمعاييره الخلقية.
2- الثبات في المعاملة: يجب ألا يكون هناك تذبذب في معاملة الطفل، مرة نتساهل معه في فرض القواعد، ومرة نتشدد معه. ولذلك لابد من أن يتم احترام القواعد التي نضعها من قبل الطفل وعدم السماح بتجاوزها إلا في الحالات الطارئه والنادرة جداً. ويجب عدم السماح للطفل بخرق القواعد من خلال ثورات الغضب التي يبديها، ويجب تنفيذ الجزاء معه بهدوء والابتعاد عن الغضب الشديد وكل ما يؤدي إلى التطرف وذلك لتعطى الطفل انطباعاً بأنك إيجابي نحوه وأنك واثق من أنه سيتبع تعليماتك.
3- التشجيع المستمر للطفل: من خلال استخدام كلمات إيجابية معه، وإقناعه بتطبيق ما نطلب منه، والابتعاد عن أسلوب التحدي والعناد، وذلك من خلال سرد بعض القصص الدالة على سوء عاقبة العناد وفضل قبول التوجيه والنصيحة.
4- العمل على توفير الأمن والأمان للطفل، في جو أسري مفعم بالمحبة والحنان والثقة والعمل على احترام شخصيته، وتأكيد ذاته، وعدم مقارنته بالأطفال الآخرين، وعدم التشكي من الطفل أمام الآخرين حتى لا يشعر بالقوة والسيطرة على الوالدين وقدرته على التحكم فيهما مما يزيد في العناد.
فالعلاقة الحميمة مع الطفل تشعره بالأمن، وبمزيد من المحبة، ويصبح أكثر ميلاً إلى الطاعة فالطريقة التي يشعر بها الأطفال نحونا تحدد طريقتهم في الاستجابة للنظام الذي نفرضه، كما أنه كلما زاد حب الطفل لنا، كان تقبله لتوجيهاتنا أفضل فالعلاقة الوثيقة مع الطفل كفيلة لأي سبب كان، لأن ذلك يثير في نفوس الأطفال الشعور بالغيرة ويؤدي إلى التمرد والعصيان.
5- توفير القدوة المناسبة: فالأب الذي يحترم قواعد المرور، ويتحدث عن رجل الأمن بشكل جيد، فمن المرجح أن يكون الأطفال أكثر امتثالاً للسلطة والطاعة من سلوك التمرد والعصيان.
6- الثواب والعقاب: لابد من الثناء على سلوك الطاعة عند الطفل في كل مرة يقوم بذلك. كما أن الجزاء المادي لسلوك الطاعة يكون فعالاً عند الأطفال من عمر 12 سنة وما دون ذلك (مثل مشاهدة التلفزيون، أو قطعة حلوى.. الخ). (غانم، 2006: 18).
وفي أحيان أخرى لابد من فرض جزاء أو عقاب على الطفل في كل مرة لا يمتثل للطاعة ويميل إلى العناد والعصيان. فالطفل الذي يتأخر مثلاً عن الحضور في الموعد المناسب إلى المنزل يفرض عليه عقوبة عدم مغادرة المنزل مساء ليلة واحدة إذا كان التأخير 15 دقيقة وإذا كان التأخير 30 دقيقة يُحرم ليلتين من مغادرة المنزل مساءً. ومن الممكن أن ينذر الطفل بعقوبة العزل إذا لم يتقيد بالتعليمات واستمر في ذلك.
7- تجاهل السلوك غير المرغوب فيه: من المفضل تجاهل سلوك التمرد والعصيان في الحالات البسيطة دون الدخول في مجادلات مع الطفل، لأن الاهتمام بالسلوك السلبي عند الطفل قد يؤدي إلى تعزيزه. وفي الوقت الذي نؤكد فيه على ضرورة تجاهل سلوك عدم الطاعة تجاهلاً تاماً نؤكد على ضرورة إبداء الاهتمام الكلي لسلوك الطاعة.
ومن النصائح التربوية للآباء لمواجهة مشكلة العناد عند الأطفال ما يلي:
1- عدم التدخل المبالغ فيه في حياة الأبناء.
2- يجب أن يقلع الآباء عن عصبيتهم وثورتهم لأتفه الأمور أمام الأبناء وضبط النفس قدر الإمكان حتى لا يقلدونهم.
3- ألا يكثر الآباء من نقد الطفل أو السخرية منه خاصة أمام الآخرين أو الشدة معه لإرغامه على الطاعة.
4- احترام ممتلكات الطفل وعدم حرمانه منها لمجرد الغضب منه.
5- ألا يظهر أحد الوالدين الضعف أو التراخي أو الإهمال، ويظهر الآخر الشدة والتسلط، وأن تكون السياسة مع الأطفال ثابتة ومرنة.
6- أن يسود الأسرة روح التعاون والود والتسامح والاستقرار والهدوء النفسي.
7- مساعدة الطفل على الأخذ والعطاء حتى يكف عن أساليبه الطفلية الأولى التي تتميز بالغضب والعناد.
8- شغل أوقات فراغ الطفل تشجيعه على الاختلاط بالأقران لاستنفاذ الطاقة الزائدة.
9- مساعدة الأطفال على حل مشاكلهم بأنفسهم واستخدام التوجيه والنضج الهادئ دون تحيز لطفل.
10- ألا يكون الآباء سبب عناد الطفل - بالحزم المبالغ فيه وإرغامهم على الطاعة العمياء، أو ثورتهم في المنزل لأتفه الأسباب.
11- تحلي الآباء بالحكمة والصبر وعدم اليأس والاستسلام للأمر الواقع بحجة عناد الطفل.
12- عدم اللجوء إلى القول بأن الطفل عنيد أمامه أو مقارنته بأطفال آخرين ليسوا عنيدين مثله.
13- اللجوء إلى دفء المعاملة والمرونة في المواقف.
14- الحوار الدافئ المقنع غير المؤجل عند ظهور موقف العناد.
والسؤال الهام كيف يمكن أن يكون هناك تنسيق بين الأسرة والروضة لعلاج مشكلة العناد؟
وللإجابة على هذا السؤال يجب على المعلمة أن تشجع الطفل المعاند على التفاعل الاجتماعي وتكوين جماعات لعب تلقائية وإيجاد المواقف الاجتماعية والإنشائية التي تشجع الطفل على الخروج من دائرة العناد إلى الحياة الاجتماعية الأوسع سواء في الروضة أو الأسرة ويجب عليها بالتعامل مع أسرة الطفل تتبع المشكلة عند الطفل من خلال تحديد تاريخ ظهور المشكلة عنده وتحديد الأسباب التي أدت إلى العناد ودراسة حالة الطفل سواء من الناحية الجسمية أو الانفعالية أو النفسية أو العقلية أو المعرفية أو الصحية ودراسة البيئة المختلفة التي تحيط بالطفل وأن يكون هناك سجل يومي لبيان تطور حالة الطفل في الروضة والأسرة وأن يكون هناك اتصالاً دورياً بين المعلمة والأم.
المراجع:
1- شحيمي، محمد أيوب (1994م). مشاكل الأطفال..! كيف نفهمها؟ المشكلات والانحرافات الطفولية وسبل علاجها، بيروت، دار الفكر العربي.
2- الجبالي، حمزة (1999م). مشاكل الطفولة والمراهق النفسية، عمان، الأردن، دار أسامة للنشر والتوزيع.
3- جرجس، ملاك (1982م). المشكلات النفسية للطفل وطرق علاجها، القاهرة، مكتبة دار المعارف.
4- الحسين، أسماء عبد العزيز الحسين (2001م). المشكلات النفسية السلوكية عند الأطفال (أسبابها – أساليب التغلب عليها) ط2. كلية التربية للبنات بالرياض.
5- الجبالي، حمزة (2005م). المشاكل النفسية عند الأطفال، ط1، القاهرة، دار صفاء للطباعة والنشر والتوزيع.
6- عطية، نوال محمد (2000م). النامية وعلم النفس مرحلة الطفولة، ط1، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية.
7- غانم، محمد حسن (2006م). العناد والغضب لدى الأطفال وكيفية علاجه، المكتبة المصرية للطباعة والنشر والتوزيع، الإسكندرية.
8- بدير، ريان سليم، وآخر (2007م). الصحة النفسية للطفل. ط1، دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.
9- حسين، محمد عبد المؤمن (1996م). مشكلات الطفل النفسية، دار الفكر الجامعي، القاهرة.
10- غيث، سعاد منصور (2006م). الصحة النفسية للطفل. دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان الأردن.
11- ملحم، سامي محمد (2002م). مشكلات طفل الروضة التشخيص والعلاج، ط1، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، عمان، الأردن.
12- الزغبي، أحمد محمد (2001م). مشكلات الأطفال النفسية والسلوكية والدراسية "أسبابها وسبل علاجها".