لنتخيل طفلا لديه الكثير من التجارب الانفعالية الموجبة ; نحن نعلم أن التجارب الموجبة يتم تسجيلها في أجزاء مختلفة من الدماغ, ونعلم أيضا أن التجربة تؤثر على تطور المشابك العصبية (Synapses) والسؤال هنا هو; هل يمكننا معرفة ما إن كان الطفل يستجيب بصورة خاصة للتجارب الموجبة , كنتيجة لتجاربه الخاصة, بحيث تتطور تلك الأجزاء من الدماغ التي تعالج الخبرات الموجبة ? وبالمثل, فإذا تخيلنا طفلا لديه العديد من التجارب السلبية, فهل يعني ذلك أن ذلك الجزء من الدماغ الذي تتم معالجتها فيه سيصبح أكثر تطورا? إن ما نحتاج لتقييمه هو أن التعرض لتجارب انفعالية معينة يؤدي لتطور بعض "العضلات الدماغية", بنفس الطريقة التي تبني بها التمرينات الرياضية العضلات.
وقد تم تصميم الأبحاث التي يقوم بها الدكتور جاي بيلسكي (Belsky), رئيس قسم علم النفس في كلية بيركبيك في مدينة لندن, وزملاؤه,بحيث تختبر صحة الفرضية القائلة بأن التباين في الخبرات الأولى للحياة يسهم في الفروق الفردية بين البشر فيما يتعلق بمعالجة (Processing) التعبيرات الوجهية الموجبة والسلبية. ويقومون باختبار أطفال في عمر سبعة أشهر من أبناء الأمهات ذوات المعدلات المرتفعة أو المنخفضة كثيرا حسب مقياس العاطفة الموجبة والسلبية (Positive and negative affect scale; PANAS), وهو إجراء قياسي لتقييم كلا من الحالة المزاجية العابرة (Transient mode), والسمات الشخصية المستبطنة ذات العلاقة بالمشاعر. وهناك كم كبير من الأبحاث التي تربط بين شخصية الأم ومزاجها, وبين سلوك الأمهات تجاه أطفالهن. ولذلك يرى الدكتور بيلسكي وزملاؤه أن الأطفال قيد الاختبار سيكونوا قد تعرضوا بالفعل لتعبيرات وجهية (Facial expressions) , إما سلبية أو موجبة, متوافقة مع معدلات أمهاتهم في الاختبار (PANAS).
ومن أجل دراسة وظيفة الدماغ كاستجابة للمنبهات الوجهية, سيقوم الباحثون بتسجيل الكَمُونَات المتعلقة بالأحداث(Event-related potentials; ERPs) أثناء مشاهدة الأطفال لصور تظهر تعبيرات وجهية موجبة وسلبية. إن الكمونات المتعلقة بالأحداث هي تغيرات عابرة في نشاط الدماغ تحدث كاستجابة لأحداث متفرقة (على سبيل المثال, عرض صورة وجه على شاشة الحاسوب) .ومن الممكن أن يوفر توقيت الانعطافات (Deflections) المتباينة في تسجيل الكمونات المتعلقة بالأحداث, معلومات بخصوص سرعة معالجة وتوزيع الفولتاج عبر فروة الرأس في وقت محدد, مما يوفر معلومات حيزية (Spatial) عن مناطق الدماغ النشطة في تلك اللحظة بالذات. وتبلغ قياسات الكمونات (ERP)دقة تبلغ جزءا من ألف من الثانية, وهي تتيح بذلك قراءة بالغة الدقة للاختلافات في سرعة الدماغ في معالجة المعلومات الواردة إليه.
وستكون القدرة على إجراء مثل هذه القياسات بالغة الدقة للنشاط الدماغي لدى الأطفال الصغار, مفتاح هذه التجارب; حيث سيقوم الباحثون بتسجيل الكمونات (ERP) أثناء مشاهدة الطفل لتعبيرات وجهية موجبة (سعيدة), وسلبية (خائفة), ومتعادلة (غير معبرة). وستظهر الفروقات في توقيت أو مدى (Amplitude) حجم الاختلافات المتعلقة بقوة أو سرعة تحول انتباه الطفل إلى الوجوه, وكذلك أي مدى تكون معه الوجوه المبتهجة أو الخائفة مألوفة بالنسبة للطفل. وقد بينت الدراسات السابقة أن هذه الفروقات تعكس معالجة المعلومات الموجودة في الوجه "كوجه", حيث لم تتم ملاحظة ما إذا كانت صورة الوجه تعرض مقلوبة. وإذا صحت نظرية الدكتور بيلسكي, فالطفل الذي تحرز أمه معدلات منخفضة نسبيا في العواطف الموجبة ومرتفعة في العواطف السلبية وفقا لاختبار (PANAS), سيستجيب بصورة أكبر للتعبير الوجهي السلبي , كما أن الأطفال الذين تظهر أمهاتهم البروفيل (Profile) العاطفي العكسي, سيكونون أكثر استجابة للتعبيرات الوجهية الموجبة.